هل ضربات إسرائيل مجدية؟ ثمن الدم العربي الباهظ.

فما الجدوى إذن من كل هذه الهجمات، طالما أنها لم تفلح في وقف العدوان على غزة، بل أدت إلى نشوء غزة ثانية وثالثة في أرجاء الوطن العربي؟ إن من لا يمتلك القدرة على الدفاع عن نفسه من خلال الطيران الحربي، يجب عليه ألا يقدم على ضرب إسرائيل، خشية أن يتحول إلى غزة أخرى. إن السؤال عن المبرر الواقعي والمنطقي لتلك الضربات الموجهة لإسرائيل يعتبر بالغ الأهمية، حتى يكون هناك قيمة للدماء العربية الزكية، وعدم طرح هذا السؤال، بالنظر إلى الثمن الباهظ الذي يدفع من الدم العربي، هو استهانة بقيمة وحرمة هذا الدم، وخيانة للضحايا الأبرياء. «عن عبدالله بن عمر قال رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه».
وهذا التساؤل حول الجدوى ضروري لإخراج المنطقة من دوامة الألاعيب السياسية التي تمارسها القوى المحلية والدولية، والتي لا تعير أي اهتمام أو تقدير للدماء العربية. فالمحللون السياسيون منشغلون بتحليل هذه الألاعيب والمناورات، وغفلوا عن حقيقة أنها ليست مجرد لعبة شطرنج بين إسرائيل وإيران، بل هي واقع مأساوي يعيشه الأبرياء منذ ما يقارب العام، حيث يشهدون مجازر يومية بشعة. بالإضافة إلى ذلك، فإن السؤال حول جدوى الضربات ضد إسرائيل يعتبر بالغ الأهمية لإخراج الحالمين من فقاعات الشعارات المثالية الطوباوية والعنتريات الجوفاء، وإعادتهم إلى أرض الواقع المرير الذي يدفع ثمنه الأبرياء من دمائهم الزكية وعمرهم الذي يتبدد هباء.
لقد أثبت الواقع المرير أن الجماعات، حتى وإن حكمت البلدان، فإنها تبقى تتصرف بعقلية الجماعات وليس بعقلية الدولة، بمعنى أنها تحسب حساب سلامة أتباعها وأنصارها فقط، ولذا فهي تقوم بتأمينهم في الأنفاق تحت الأرض، وتترك المدنيين العزل ليواجهوا رد الفعل الانتقامي الإسرائيلي. إن هذه الجماعات لم تقم ببناء ملاجئ للمدنيين تحميهم من رد الفعل الانتقامي الإسرائيلي، على الرغم من التاريخ الطويل من المجازر المرتكبة بحق مواطنيها.
ومهما كانت كثافة الصواريخ والطائرات المسيّرة التي انطلقت من لبنان واليمن والعراق وإيران نحو إسرائيل، فإنها لم تحدث أضراراً تُذكر في إسرائيل، ولم تفلح في إيقاف الهجمة الإسرائيلية الشرسة على غزة. فما هي الفائدة المرجوة منها إذاً؟ ينطبق عليها المثل الشعبي القائل: "نجحت العملية ولكن مات المريض"، فعملية 7 أكتوبر كانت سبباً في موت غزة. ولذا، فإنه طالما لم يتم طرح التساؤل حول جدوى الضربات ضد إسرائيل، فإن دورات الانتقام الإسرائيلي والدمار الشامل والمجازر المروعة ستستمر في التكرار بشكل عبثي ولا طائل منه.
إن الذين يعارضون طرح التساؤل حول الجدوى هم الآمنون من عواقب عدم طرح هذا التساؤل، ولذا فإنهم يتمتعون برفاهية تبني الشعارات الطوباوية عن المقاومة، فأبناؤهم وأمهاتهم ليسوا تحت القصف الإسرائيلي. إن من يحب الفلسطينيين واللبنانيين وبقية العرب بصدق وإخلاص، لن يقبل بتعريضهم لأهوال رد الفعل الإسرائيلي الانتقامي على عمليات لا تحقق أي جدوى على أرض الواقع. لقد آن الأوان لوقف استهانة الجماعات بقيمة دماء الشعوب، ولن تتوقف هذه الاستهانة حتى يسود التيار العقلاني الواقعي بدلاً من التيار الشعاراتي الذي يبني قصوراً في الهواء، ويستجلب سفك الدماء والدمار والتهجير على الشعوب. ويمثل التيار العقلاني الواقعي رأي الشيخ الألباني المعارض لعمليات الجماعات والأفراد ضد إسرائيل.
